خطبة الجمعة القادمة بعنوان للدكتور محمد حرز : اغتنام عهد الشباب في بناء الذات (إتقان العبادة وإتقان العمل)
خطبة الجمعة القادمة بعنوان : اغتنام عهد الشباب في بناء الذات (إتقان العبادة وإتقان العمل) ، للدكتور محمد حرز ، بتاريخ 20 جمادي الآخرة 1444هـ ، الموافق 13 يناير 2023م.
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 13 يناير 2023م بصيغة word بعنوان : اغتنام عهد الشباب في بناء الذات (إتقان العبادة وإتقان العمل) ، للدكتور محمد حرز.
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 13 يناير 2023م بصيغة pdf بعنوان : اغتنام عهد الشباب في بناء الذات (إتقان العبادة وإتقان العمل) ، للدكتور محمد حرز.
عناصر خطبة الجمعة القادمة 13 يناير 2023م بعنوان : اغتنام عهد الشباب في بناء الذات (إتقان العبادة وإتقان العمل).
أولًا: مرحلةُ الشبابِ أهمُّ المراحلِ في حياتِنَا.
ثانيـــًـا : دينُنَا دينُ الإتقانِ.
ثالثـــًـا :صورٌ مِن الإتقانِ في العبادةِ والعملِ.
رابعًا وأخيرًا: ثمراتُ الإتقانِ.
ولقراءة خطبة الجمعة القادمة 13 يناير 2023م بعنوان : اغتنام عهد الشباب في بناء الذات (إتقان العبادة وإتقان العمل) : كما يلي:
خطبةُ الجمعةِ القادمةِ: اغتنامُ عهدِ الشبابِ في بناءِ الذاتِ (إتقانُ العبادةِ والعملِ) د/ محمد حرز بتاريخ: 20جماد الآخرة 1444هــ – 13يناير 2023م
الْحَمْدُ لِلَّهِ أَحْمَدُهُ سُبْحَانَهُ وَأَشْكُرُهُ، وَأُثْنِي عَلَيْهِ وَأَسْتَغْفِرُهُ،الْحَمْدُ لِلَّهِ القائلِ في محكمِ التنزيلِ ﴿ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ ﴾ النمل: 88،وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وليُّ الصالحين، وَأشهدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وصفيُّهُ مِن خلقهِ وخليلُهُ، يا مصطفى
وأَحسنُ منكَ لم ترَ قطُّ عيني ** وَأجْمَلُ مِنْكَ لَمْ تَلِدِ النّسَاءُ
خلقتَ مبرأً منْ كلّ عيبٍ ** كأنكَ قدْ خلقتَ كما تشاءُ فاللهم صلِّ وسلمْ وزدْ وباركْ على النبيِ المختارِ وعلى آلهِ وصحبهِ الأعلامِ، مصابيحِ الظلامِ، خيرِ هذه الأمةِ على الدوامِ، وعلى التابعينَ لهم بإحسانٍ والتزام. أمَّا بعدُ …..فأوصيكُم ونفسِي أيُّها الأخيارُ بتقوى العزيزِ الغفارِ { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (أل عمران :102
عِبَادَ اللهِ:(( اغتنامُ عهدِ الشبابِ في بناءِ الذاتِ ((إتقانُ العبادةِ وإتقانُ العملِ)))عنوانُ وزارتِنَا وعنوانُ خطبتِنَا.
أولًا: مرحلةُ الشبابِ أهمُّ المراحلِ في حياتِنَا.
ثانيـــًـا : دينُنَا دينُ الإتقانِ.
ثالثـــًـا :صورٌ مِن الإتقانِ في العبادةِ والعملِ.
رابعًا وأخيرًا: ثمراتُ الإتقانِ.
أيُّها السادةُ : بدايةً ما أحوجَنَا في هذه الدقائقِ المعدودةِ إلى أنْ يكونَ حديثُنَا عن اغتنامِ مرحلةِ الشبابِ في إتقانِ العبادةِ والعملِ للهِ جلَّ وعلا ،وخاصةً وأنَّ شبابَنَا في وادٍ والدينَ في وادٍ آخر، إلا ما رحمَ اللهُ، وخاصة أنَّنا إذا فقدنَا الإتقانَ في جميعِ حياتِنَا الدينيةِ والعمليةِ، فحلَّ الخرابُ والهلاكُ والدمارُ ولا حولَ ولا قوةَ إلّا باللهِ. أين الإتقانُ في عباداتِنَا يا سادة؟ أين الإتقانُ في أعمالِنَا؟ أين الإتقانُ في جميعِ شؤونِ حياتِنَا؟ وخاصةً وأنًّ مصرنَا في حاجةٍ إلى الإتقانِ في شتَّى المجالاتِ المختلفةِ؛ لننهضَ بها، ولنساعدَ في نموِّ اقتصادِهَا لتخرجَ مِن أزماتِهَا، فمصرُنَا أمانةٌ في أعناقِنَا جميعًا أيُّها الأخيارُ. فالإتقانَ الإتقانَ قبل فواتِ الأوانِ، وخاصةً والشبابُ هو قوةٌ بين ضعفينٍ؛ قوةٌ بينَ ضعفِ الطفولةٍ وضعفِ الشيخوخةِ، وما بكتْ العربُ على شيءٍ كما بكتْ على الشبابِ، حتى قال قائلُهُم:
ألَا ليتَ، الشبابَ يعودُ يومًا *** فأخبرهُ بِمَا فعلَ المشيبُ
العنصر الأول من خطبة الجمعة القادمة بعنوان : اغتنام عهد الشباب في بناء الذات (إتقان العبادة وإتقان العمل)
أولًا: مرحلةُ الشبابِ أهمُّ المراحلِ في حياتِنَا.
أيُّها السادةُ : إذا كان الشيوخُ هم عقولُ الأمةِ، وهم الذين يفكرون يخططون ويدبرون، فإنَّ الشبابَ هم أملُ الأمةِ وهم الذين ينفذون خطةَ الشيوخِ.
فالشبابُ عمادُ الأمةِ، وعزُّهَا المجيدُ، و قوةُ الشعوبِ، وحصنُهَا الحصين، ودرعُهَا المتينُ، هم سببُ الفتوحات، وأساسُ الانتصاراتِ فالشبابُ كانوا في صدرِ الإسلامِ وبعدهِ لبلادِ الكفارِ فاتحين ، وعن بلادِ الإسلامِ مناضلين، تجدهُم محاربين، وتراهُم مقاتلين، تهابهُم الأعداءُ، ويحبهُم مَن في السماءٍ، متبعين لسنةِ نبيِّهِم ، متمسكينَ بدينِ ربِّهِم.
ووقتُ الشبابِ ثمينٌ لا عِوَضَ له، وزهرةٌ لا مثيلَ لها. فيجبُ على كلِّ مُوفَّقٍ في هذه الحياةِ أنْ يغتنِمَ شبابَهُ في طاعةِ اللهِ – جلَّ وعلا -، وأنْ يعمّرَهُ بعبادةِ ربِّهِ والتقرُّبِ إليه -سبحانه -، وأنْ يكونَ في جهادٍ لا يفتَر في مُصارعةِ الهوَى والنفسِ والشيطانِ.
لذا اهتمَّ النبيُّ ﷺ بالشبابِ اهتمامًا كبيرًا، ولم لا والنبيُّ ﷺ تحملَّ الدعوةَ وهو في سنِّ الشبابِ في الأربعين مِن عمرِه، والصديقُّ كان في الثمانيةِ والثلاثين مِن عمرهِ ،وعمرُ أسلمَ في السابعةِ والعشرين مِن عمرهِ، وعلىٌّ أسلمَ في العاشرةِ مِن عمرهِ . فمرحلةُ الشبابِ مِن أهمِّ المراحلِ التي يمرُّ بهَا الإنسانُ في حياتهِ، والتي سيُسألُ عنها مرتين عندما يقفُ بينَ قاضِي القضاةِ وجبارِ السماوات والأرضِ، بينَ يديِ مَن لا يغفلْ ولا ينام، كما قال نبيُّنَا صلى الله عليه ﷺ كما في حديثِ أبي برزةَ الاسلميِّ ” لا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ أَرْبَعٍ: عَنْ عُمْرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ (والشبابُ مِن ضمنِ مراحلِ العمرٍ) ، وَعَنْ شبابه فِيمَا أَبْلاهُ، وَعَنْ مَالِهِ فِيمَا أَنْفَقَهُ وَمِنْ أَيْنَ كَسَبَهُ، وَعَنْ عَلِمهِ مَاذَا عَمِلَ فِيهِ؟” رواه الترمذي
فالشبابُ ألمٌ وأملٌ نعم ؟ إذا صلحُوا صلحتْ الأمةُ، وإذا فسدُوا فسدتْ الأمةُ، فبصلاحِ الشبابِ تصلحُ الأمةُ يا سادة، وبفسادِ الشبابِ تفسدُ الأمةُ يا سادة، ولا حولَ ولا قوةَ إلَّا باللهِ.
فالشبابُ ألمٌ ينخرُ في جسدِ الأمةِ إذا انشغلَ بالمبارياتِ وتَرَكَ الصلاةَ.
الشبابُ ألمٌ إذا انشغلَ بالغناءِ وتَرَكَ القرآنَ، الشبابُ ألمٌ إذا انشغلَ بذكرِ الناسِ وترَكَ ذكرَ الواحدِ الديانِ، الشبابُ ألمٌ إذا انشغلَ بالبناتِ وبالسهرِ والمرحِ ولا حولَ ولا قوةَ إلّا باللهِ.
الشبابُ ألمٌ إذا تجرئَ على الكبارِ وترَكَ الاحترامَ، فالشبابُ أملٌ إذا انشغلَ بالقرآنِ وبسنةِ النبيِّ المختارِ ﷺ، الشبابُ أملٌ إذا انشغلَ بطاعةِ اللهِ وبالصلاةِ، وبذكرِ اللهِ و بالصلاةِ على النبيِّ المختارِ ﷺ، فشبابُ الأمةِ هم شمسُهَا، شبابُ الأمةِ هم قمرُهَا، شبابُ الأمةِ هم المستقبلُ بعدَ فضلِ اللهِ جلَّ وعلا. لذا قال النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { اغْتَنِمْ خَمْسًا قَبْلَ خَمْسٍ شَبَابَك قَبْلَ هَرَمِك ، وَصِحَّتَك قَبْلَ سَقَمِك ، وَغِنَاك قَبْلَ فَقْرِك ، وَفَرَاغَك قَبْلَ شُغْلِك ، وَحَيَاتَك قَبْلَ مَوْتِك } فيا شبابَ الإسلام:اغتنِمُوا هذا الوقتَ العظيمَ في طاعةِ اللهِ – جلَّ وعلا-، وإتقانَ العملِ والعبادةِ للهِ، تحتَ ظلِّ الأوامرِ الربانيَّةِ، والتوجيهاتِ النبويةِ، تنالُوا العاقبةَ الحسنةَ في الدنيا، والفوزَ الأعظَمَ عندَ الربِّ الأكرَم.لذا يحاولُ أعداءُ الإسلامِ تدميرَ وتحطيمَ الشبابِ ليلًا ونهارًا بالمخدراتِ بالأفلامِ وغيرِ ذلك ولا حول ولا قوةَ إلّا باللهِ
مؤامرةٌ تدورُ على الشبابِ*** لتجعلَهُ ركامًا مِن تراب
مؤامرةٌ تقولُ لهم تعالوا *** إلى الشهواتِ في ظلِّ الشراب
مؤامرةٌ يحيكُ خيوطهَا ***أعداءُ سوءٍ في لؤمِ الذئاب
تفرقَ شملُهُم إلّا علينا *** فصرنَا كالفريسةِ للكلابِ
العنصر الثاني من خطبة الجمعة القادمة بعنوان : اغتنام عهد الشباب في بناء الذات (إتقان العبادة وإتقان العمل)
ثانيـــًـا : دينُنَا دينُ الإتقانِ.
أيُّها السادةُ : دينُنَا دينُ الإتقانِ، ونبيُّنَا ﷺ علّمَ الدنيا كلَّهَا الإتقانَ، وقرآنُنَا قرآنُ الإتقانٍ، وشريعتُنَا شريعةُ الإتقانِ وكيف لا ؟ والإتقانُ صنعةُ الرحيمِ الرحمن، صنعةُ اللهِ ربِّ الإنسانِ وربِّ الأكوانِ جلَّ جلالُه، فاللهُ جلَّ وعلا خلقَ كلَّ شيءٍ فأتقنَهُ قالَ جلَّ وعلَا﴿ وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ ﴾ النمل: 88 فاللهُ جلَّ وعلا صَنَعَ كُلَّ شَيءٍ في هَذَا الكَونِ بِإِتقَانٍ فلو نظرتَ إلى السماءِ وارتفاعِهَا إتقانٌ، ولو نظرتَ إلى الأرضِ واتساعِهَا إتقانٌ، ولو نظرتَ إلى النجومِ ومدارِهَا إتقانٌ، ولو نظرتَ إلى البحارِ وأمواجِهَا إتقانٌ، ولو نظرتَ إلى الجبالِ وارتفاعِهَا إتقانٌ ما بعدَهُ إتقانٌ!!اللهُ أكبرُ بل لو نظرتَ إلى نفسِكَ التي بينَ جانبيكَ سترى عجبًا عجابًا خلقَكَ فأحسنَ خلقِكَ وصورَكَ فأحسنَ تصويرَكَ فتباركَ اللهُ أحسنُ الخالقين قالَ -جلَّ وعلا )هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [آل عمران: 6 قالَ -جلَّ وعلا ))فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ) ((المؤمنون: 14(والمصورُ هو مَن أحسنَ وأبدعَ وأخرجَ الشكلَ النهائيَّ في كاملِ هيئتهِ وبهائهِ، وأتقنَ كلَّ شيئٍ قالَ جلِّ وعلا ((اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ الأَرْضَ قَرَارًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُمْ مِنْ الطَّيِّبَاتِ ذَلِكُمْ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَتَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) ((غافر: 64(.
للهِ في الآفاقِ آياتٌ لعلَّ *** أقلّهَا هو ما إليهِ هداكَا
ولعلَّ ما في النفسِ مِن آياتهِ *** عجبٌ عجابٌ لو ترى عيناكَا
والكونُ مشحونٌ بأسرارٍ إذا *** حاولتَ تفسيراً لهَا أعياكَا
وكيف لا ؟ والإتقانُ: هو إحكامُ الشيءِ وجعلُهُ على أكمل وجهٍ، وأحسن صورةٍ. وتجويدُ العملِ وإتقانُهُ مِن المطالبِ الشرعيةِ العظيمةِ الذي حثَّ عليه دينُنَا الحنيفُ، فقد حثَّنَا الإسلامُ على الإتقانِ، فينبغِي للمسلمِ أنْ يعودَ نفسَهُ على الإتقانِ في كلِّ شيءٍ، فهو سمةٌ أساسيةٌ في الشخصيةِ المسلمةِ، فالسلمُ مطالبٌ بالإتقانِ في كلِّ أعماله تعبديةٍ كانتْ أو سلوكيةٍ أو معاشيةٍ، قال جلَّ وعلا ﴿وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ﴾، وقال جلَّ وعلا ﴿ قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ ﴾ [الأنعام: 162، 163فالمؤمنُ يجبُ أنْ يحرصَ على إتقانِ عملهِ ويحسنَهُ ويجملَهُ قدرَ الإمكانِ، مبتغيًا الأجرَ والثوابَ مِن عندِ اللهِ جلَّ وعلا.وكيف لا ؟والإتقانُ صفةٌ نبيلةٌ، وغايةٌ ساميةٌ، وخلقٌ عظيمٌ مِن أخلاقِ الدينِ، ومبدأٌ كريمٌ من مبادئِ الإسلامِ ،وشيمةُ الأبرارِ المحسنينَ مِن الناسِ، وصفةٌ مِن صفاتِ المؤمنين، أمرَنَا بها الدينُ، وتخلقَ بها سيدُ المرسلين ﷺ .وكيف لا ؟ واللهُ جلَّ جلالُهُ خلقَ الإنسانَ وأمرَهُ على لسانِ حبيبهِ ومصطفاه بالإتقانِ، فعَنْ أُمِّ المُؤمِنينَ عَائِشَةَ – رضي اللهُ عنها – قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (( إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ إِذَا عَمِلَ أَحَدُكُمْ عَمَلًا أَنْ يُتْقِنَه ))رَوَاهُ البَيهَقِيُّ في شُعَبِ الإِيمَانِ، وجعلَهُ خليفةً في الأرضِ وأمرَهُ بالسعيِ فيهَا وإعمارِهَا، وأمرَ عبادَهُ بالإحسانِ في أعمالِهِم، وأحبَّ سبحانَهٌ ذلك، فقال عز وجل{ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ }(البقرة: من الآية195). والإحسانُ: هو الإتقانُ والإحكامُ، وهذه القضيةُ وهي تجويدُ شيءٍ وإحسانهِ وإتقانهِ مِن المطالبِ الشرعيةِ العظيمةِ في دينِنَا، ومبنَى الدينِ على هذا فيمَا أمرَ بهِ في كلِّ شيء حتى ذبحِ البهائم، (( وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة )) .وعن عاصمِ بنِ كليبٍ عن أبيهِ قال: شَهدت مَعَ أَبِي جَنَازَة شَهِدَهَا رَسُوْلُ اللهِ ﷺ وَأَنَا غُلاَمٌ أَعْقِلُ وَأَفْهَمُ، فَانتُهي بِالْجَنَازَةِ إِلَى الْقَبْرِ وَلَمْ يمكَّن لَهَا قَالَ : فَجَعَلَ رَسُوْلُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: ((سَوّوا لَحْدَ هَذَا))حَتَّى ظَنَّ النَّاسُ أَنَّهُ سُنَّة، فَالْتَفَتَ إِلَيْهِم فَقَالَ: ((أَمَا إِنَّ هَذَا لاَ يَنْفَعُ الْمَيِّتَ وَلاَ يَضُرُّهُ، وَلَكِنَّ اللهَ يُحِبُّ مِنَ الْعَامِلِ إِذَا عَمِلَ أَنْ يُحْسِن))، بل وعدَ سبحانَهُ بحفظِ أجرِ المحسنين قالَ جلَّ وعلَا ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا ﴾الكهف: 30، تحفيزًا لهم وترغيبًا لهم في الإحسانِ والإتقانِ. وكيف لا ؟ وإتقانُ العملِ يكونُ: بإحكامِ الشيءِ وضبطهِ على أحسن وجهٍ. وإكمالهِ وعدم تركهِ ناقصًا .قال -عليه الصلاةُ والسلامُ-كما في صحيح مسلم من حديثِ أبي هريرةَ رضى اللهُ عنه : ((مَثَلِي وَمَثَلُ الْأَنْبِيَاءِ مِنْ قَبْلِي، كَمَثَلِ رَجُلٍ بَنَى بُنْيَانًا فَأَحْسَنَهُ وَأَجْمَلَهُ، إِلَّا مَوْضِعَ لَبِنَةٍ مِنْ زَاوِيَةٍ مِنْ زَوَايَاهُ.فَجَعَلَ النَّاسُ يَطُوفُونَ بِهِ وَيَعْجَبُونَ لَهُ ، وَيَقُولُونَ: مَا رَأَيْنَا بُنْيَانًا أَحْسَنَ مِنْ هَذَا إِلَّا هَذِهِ اللَّبِنَةَ ، هَلَّا وُضِعَتْ هَذِهِ اللَّبِنَةُ، فَأَنَا اللَّبِنَةُ وَأَنَا خَاتَمُ النَّبِيِّينَ )) وكيف لا ؟ ولقد حثتنَا الشريعةُ الإسلاميةُ الغراءُ على الإتقانِ، وجعلتْهُ أمانةً عظيمةً يجبُ المحافظةُ عليه، قال جلَّ وعلا {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ}(الأحزاب: من الآية72) .فإتقانُ العملِ مِن الأمانةِ، {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ} .
العنصر الثالث من خطبة الجمعة القادمة بعنوان : اغتنام عهد الشباب في بناء الذات (إتقان العبادة وإتقان العمل)
ثالثـــًـا :صورٌ مِن الإتقانِ في العبادةِ والعملِ.
أيُّها السادةُ: يعتبرُ الإتقانُ في العباداتِ شرطًا في قبولِهَا، ولا تتحققُ العبادةُ إلّا بالإتقانِ، و صورُ الإتقانِ في العبادةِ كثيرةٌ وعديدةٌ منها على سبيلِ المثالِ لا الحصر إتقانُ الوضوءِ: ويكونُ بأداءِ فرائضهِ وسننهِ، على أكمل وجهٍ، قال ﷺ كما في حديثِ عثمانَ بنِ عفان رضى اللهُ عنه «مَنْ تَوَضَّأَ، فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ خَرَجَتْ خَطَايَاهُ مِنْ جَسَدِهِ حَتَّى تَخْرُجَ مِنْ تَحْتِ أَظْفَارِهِ)) رواه مسلم وفي حديثِ أبي ذرٍ الغفاريِّ رضي اللهُ عنه قال قال ﷺ مَنْ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَأَحْسَنَ غُسْلَهُ وَتَطَهَّرَ فَأَحْسَنَ طُهُورَهُ وَلَبِسَ مِنْ أَحْسَنِ ثِيَابِهِ وَمَسَّ مَا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ مِنْ طِيبِ أَهْلِهِ ثُمَّ أَتَى الْجُمُعَةَ وَلَمْ يَلْغُ وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ اثْنَيْنِ غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ الْأُخْرَى)) رواه أحمد واللفظ له .ومِن صورِ الإتقانِ: إتقانُ الصلاةِ ويكونُ بالاستعدادِ لها بالطهارةِ والخشوعِ والطمأنينةِ وتحسينِ الهيئةِ، قال تعالى ﴿خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ﴾، وأداؤُهَا بخشوعٍ وسكينةٍ ووقارٍ، وقد أنكرَ رسولُ اللهِ ﷺ على رجلٍ صلاتَهُ لإسراعهِ فيها، فقال له: «ارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ)) رواه البخاري وإتقانُ الصلاةِ يكونُ ذلك بالخشوعِ فيها وأنْ تتمَّ أركانَهَا وشروطهَا قال جلَّ وعلا(قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ) المؤمنون: 1، 2.وقد أخرج الطبريُّ بسندهِ الحسن عن عليّ بنِ أبي طلحةَ عن ابنِ عباسٍ، في قولِه: (الذين هم في صلاتِهِم خاشعون) يقولُ: خائفون ساكنون.وعَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ، قَالَ: دَخَلْتُ مَعَ حُذَيْفَةَ الْمَسْجِدَ فَرَأَى رَجُلًا يُصَلِّي لَا يُتِمُّ رُكُوعَهُ وَلَا سُجُودَهُ فَقَالَ لَهُ حُذَيْفَةُ: ” مُنْذُ كَمْ صَلَّيْتَ؟.قَالَ: مُنْذُ أَرْبَعِينَ سَنَةً، فَقَالَ لَهُ حُذَيْفَةُ: ((مَا صَلَّيْتَ وَلَوْ مُتَّ مُتَّ عَلَى غَيْرِ الْفِطْرَةِ الَّتِي فَطَرَ اللهُ عَلَيْهَا مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّ الرَّجُلَ قَدْ يُخَفِّفُ صَلَاتَهُ، وَيُتِمُّ رُكُوعَهَا وسُجُودَهَا ))شعب الإيمان للبيهقي. ومن صِور الإتقانِ في العباداتِ: إتقانُ الزكاةِ بإعطائِهَا لمستحقيهَا:بإخراجِهَا إلى مستحقيهَا وفي وقتِهَا ومِن أفضل مالهِ قال جلَّ وعلا ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ﴾ البقرة: 267..
ومِن صورِ الإتقانِ في العباداتِ: إتقانُ الصيامِ: ذلك بشروطهِ وأركانهِ مع اجتنابِ كلِّ ما يبطلُهُ أو ينقصُ مِن أجرهِ، قال ﷺ: «مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ وَالْجَهْل فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ))رواه البخاري ومِن صورِ الإتقانِ في العباداتِ: إتقانُ الحجِّ وذلك بأداءِ المناسكِ مِن فرائضَ وواجباتٍ ومستحباتٍ على أحسنَ وجهٍ، وأكملَ وصورةٍ قال ﷺ: «مَنْ حَجَّ للهِ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ رَجَعَ مِنْ ذُنُوبِهِ كَيَوْمَ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ)) رواه البخاري. ومِن صورِ الإتقانِ في العباداتِ: إتقانُ تلاوةِ القرآنِ: وتتمُّ بإخلاصِ النيةِ للهِ، والتأدبِ مع القرآنِ، واحترامِ قواعدِ التجويدِ …،فعن عائشةَ أمِّ المؤمنين رضي اللهُ عنها قالت قال ﷺ: «الَّذِي يَقْرَأُ القُرْآنَ وَهُو ماهِرٌ بِهِ معَ السَّفَرةِ الكِرَامِ البَرَرَةِ)) رواه أبو داود.
ومِن صورِ الإتقانِ في العباداتِ: إتقانُ التكفينِ للميتِ، يقولُ النبيُّ ﷺ: ((إِذَا كَفَّنَ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ فَلْيُحَسِّنْ كَفَنَهُ)) رواه مسلم . وفي حفرِ القبرِ قال : ﷺ: ))احْفِرُوا ، وَأَعْمِقُوا ، وَأَحْسِنُوا(( رواه النسائي… وأولُ ما يجبُ على العبدِ: أنْ يسعَى في إتقانِهِ هو توحيدُهُ للهِ -جلَّ وعلا-، فلا تعكرْ توحيدَكَ بشيءٍ مِن الشركِ، ولا تصرفْ وجهَكَ لغيرِ اللهِ، وجرّدْ توحيدَكَ لهُ سبحانَهُ، فمَن خرقَ توحيدَهُ في عملٍ فلن يُقبلَ منهُ، كما في صحيحِ مسلمٍ مِن حديثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتعالى أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنْ الشِّرْكِ مَنْ عَمِلَ عَمَلًا أَشْرَكَ فِيهِ مَعِي غَيْرِي تَرَكْتُهُ وَشِرْكَهُ) فمَن أتقنَ توحيدَهُ للهِ دخلَ الجنةَ وإنْ زنَى وإنْ سرقَ كما في الصحيحين كما في حديث أبي ذرٍ رضى اللهُ عنه قال أَتَيْتُ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وعليه ثَوْبٌ أبْيَضُ، وهو نَائِمٌ، ثُمَّ أتَيْتُهُ وقَدِ اسْتَيْقَظَ، فَقالَ: ما مِن عَبْدٍ قالَ: لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، ثُمَّ مَاتَ علَى ذلكَ إلَّا دَخَلَ الجَنَّةَ قُلتُ: وإنْ زَنَى وإنْ سَرَقَ؟ قالَ: وإنْ زَنَى وإنْ سَرَقَ قُلتُ: وإنْ زَنَى وإنْ سَرَقَ؟ قالَ: وإنْ زَنَى وإنْ سَرَقَ قُلتُ: وإنْ زَنَى وإنْ سَرَقَ؟ قالَ: وإنْ زَنَى وإنْ سَرَقَ علَى رَغْمِ أنْفِ أبِي ذَرٍّ))
والإتقانُ والحثُّ عليه ليس مقتصرًا على أمورِ العبادةِ فحسب، بل يمتدُّ حتى يصلَ للأمورِ الدنيويةِ، ومن هنا نعلمُ أنَّ سببَ تأخرِ المجتمعاتِ المسلمةِ في أهمِّ مجالاتِ الحياةِ إنَّما هو بسببِ فقدانِ الإتقانِ وضحالةِ المهارةِ والعجزِ عن ملاحقةِ السباقِ الحديثِ في ميادينِ الثقافةِ والصناعةِ والمهارةِ التي تعودُ بالنفعِ العامِّ على المسلمين وتجعلهُم في مقدمةِ أممِ الأرضِ بعدَ أنْ تأخرُوا عن سبقهِم الذي كانوا عليه في القرونِ الأولى؛ لأنَّ العصرَ الحديثَ يتطلبُ مستوى رفيعًا مِن التخصصِ المكملِ الإتقانِ؛ إذ فاقدُ الشيءِ لا يعطيه، بل لا يحسنُ الشيءُ مَن لا يفهمُهُ أو يعيه!!فالمسلمُ مطالبٌ بالإتقانِ في كلِّ عملٍ؛ لأنَّ كلَّ عملٍ يقومُ بهِ المسلمُ بنيّةِ العبادةِ هو عملٌ مقبولٌ عندَ اللهِ جلَّ وعلا يُجازَى عليه سواءٌ كان عملَ دنيَا أمْ آخرة.
لذا كان مِن أهمِّ القيمِ التي كان النبيُّ ﷺ يسعَى إلى غرسِهَا في نفوسِ الصحابةِ هو خلقُ إتقانِ العملِ وتحسينِه، سواءٌ كان عملًا دينيًّا أو دنيويًّا، فكلُّ عملٍ صالحٍ يخلصُ فيه المرءُ للهِ ويتقنُهُ يعتبرُ عبادةً يؤجرُ عليها، مِن أمثلةِ ذلك:طبيبٌ يعالجُ وينصحُ الناسَ وهو متقنٌ لعملهِ وتلميذٌ يتفانَى في مراجعةِ دروسهِ وهو متقنٌ لذلك وموظفٌ يحرصُ على واجباتهِ ولا يتكاسلُ وهو متقنٌ لعملهِ كيف لا؟ الإتقانُ يجبُ أنْ يكونَ جزءًا لا يتجزأُ مِن سلوكِنَا وأخلاقِنَا العمليةِ، فهو ضرورةٌ حياتيةٌ وفريضةٌ شرعيةٌ، يلزمُ المرء أداؤهَا في كلِّ أعمالهِ وعباداتهِ، قال تعالى: ﴿الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا﴾ وكيف لا ؟ والعملُ عبادةٌ في غيرِ أوقاتِ العبادةِ . وهذا هو أسوتُنَا وقدوتُنَا أتقنَ كلَّ شيءٍ عبادتَهُ وعملَهُ و تجارتَهُ كما في حديثِ المغيرةِ بنِ شعبةَ قال قَامَ النبيُّ ﷺ حتَّى تَوَرَّمَتْ قَدَمَاهُ، فقِيلَ له: غَفَرَ اللَّهُ لكَ ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِكَ وما تَأَخَّرَ، قالَ: أفلا أكُونُ عَبْدًا شَكُورًا))رواه البخاري، وتاجرَ ﷺ في مالِ خديجةَ فكان خيرَ التاجرِ الأمينِ وخيرَ الصادقِ وخيرَ مَن أتقنَ في عملهِ..فما اجوجنَا إلى الإتقانِ اقتداءً بحبيبِنَا المصطفَى العدنان ﷺ
بِقَدْرِ الْكَدِّ تُكْتَسَبُ المعَالِي *** ومَنْ طلب العُلا سَهرَ اللَّيالِي
ومن طلب العُلا من غير كَدٍّ *** أَضَاع العُمْرَ في طلب الْمُحَالِ
أقولُ قولِي هذا واستغفرُ اللهَ العظيمَ لي ولكم
الخطبةُ الثانيةُ الحمدُ للهِ ولا حمدَ إلَّا لهُ وبسمِ اللهِ ولا يُستعانُ إلَّا بهِ وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَه وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ …………………… وبعدُ
العنصر الرابع من خطبة الجمعة القادمة بعنوان : اغتنام عهد الشباب في بناء الذات (إتقان العبادة وإتقان العمل)
رابعًا وأخيرًا: ثمراتُ الإتقانِ
أيُّها السادةُ : الإتقانُ يكونُ في أعمالِ الدينِ والدنيَا فإياكَ أنْ تكونَ متقنًا في أمورِ الدينِ ولستَ متقنًا في أمورِ الدنيَا لحديثِ ( إنك أنْ تَدَعَ ورَثَتَكَ أغْنِيَاءَ خَيْرٌ مِن أنْ تَذَرَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ) رواه البخاري ولحديثِ ((كفَى بالمرءِ إثمًا أنْ يُضَيِّعَ مَن يقوتُ ((وإياكَ ثمَّ إياكَ أنْ تكونَ متقنًا لأمورِ الدنيَا ولستَ متقنًا لأمورِ الآخرةِ فتكونَ مِن الهالكينَ والخاسرينَ، قالَ ربُّنَا ((يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآَخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ)) الروم( 7) يقولُ ابنُ كثيرٍ في تفسيرهِ : فإنَّ أكثرَ الناسِ ليس لهم علمٌ إلّا بالدنيا وشؤونِهَا، فهم فيها حذاقٌ، أذكياءٌ في تحصيلِهَا ووجوهِ مكاسبِهَا، وهم غافلونَ عن أمورِ الدينِ وما ينفعُهُم في الدارِ الآخرةِ، كأنَّ أحدَهُم مغفلٌ لا ذهنَ لهُ ولا فكرةَ، قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: وَاللَّهِ لَبَلَغَ مِن أحدِهم بدنياهُ أنْ يَقْلِبَ الدِّرْهَمَ عَلَى ظُفْرِهِ، فَيُخْبِرُكَ بِوَزْنِهِ وَمَا يُحْسِنُ أَنْ يُصَلِّيَ . …فاللهَ اللهَ في الإتقانِ اللهَ اللهَ في إتقانِ العملِ. فالإتقانُ مطلبٌ شرعيٌ، وواجبٌ وطنيٌّ، وعملٌ إنسانيٌّ وَمَسْؤُولِيَّةٌ مُجْتَمَعِيَّةٌ ،ومقصدٌ مِن مقاصدِ الشريعةِ الإسلاميةِ، الكلُّ مطالبٌ بهِ، والكلُّ محاسبٌ عنه بينَ يديِ اللهِ لِمَن فرطَ وأهملَ واستباحَ قال ربُّنَا جلَّ وعلا:﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾(الأنفال: 27)،
أيُّها السادةُ : للإتقانِ ثمراتٌ كثيرةٌ وعديدةٌ منها علي سبيلِ المثالِ لا الحصر: أنَّ الإتقانَ سببٌ لنيلِ رضا اللهِ جل وعلا . وسببٌ لحصولِ البركاتِ، وسببٌ مِن أسبابِ الرفعةِ في الدنيا والآخرةِ، وسببٌ مِن أسبابِ رقيِّ وازدهارِ الأمةِ.والإتقانُ سببُ البقاءِ والقدرةِ على المنافسةِ. الإتقانَ الإتقانَ تفلحُوا، وإياكم والغشَّ والإهمالَ والتقصيرَ في العملِ، واعلمُوا أنَّ عملَكُم معروضٌ على الخالقِ سُبحانَهُ وتعالى: (وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ). (سورة التوبة:105) حفظَ اللهُ مصرَ قيادة وشعبًا مِن كيدِ الكائدين، وشرِّ الفاسدين وحقدِ الحاقدين، ومكرِ الـماكرين، واعتداءِ الـمعتدين، وإرجافِ الـمُرجفين، وخيانةِ الخائنين.
كتبه العبد الفقير إلى عفو ربه
د/ محمد حرز إمام بوزارة الأوقاف
_______________________________
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة باللغات
للإطلاع ومتابعة قسم خطبة الأسبوع و خطبة الجمعة القادمة
للمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف